فصل: تفسير الآية رقم (19):

مساءً 10 :5
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (19):

{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
{إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام} جملة مبتدأة وقعت تأكيدًا للأولى، وتعريف الجزئين للحصر أي لا دين مرضي عند الله تعالى سوى الإسلام وهو على ما أخرج ابن جرير عن قتادة «شهادة أن لا إله إلا الله تعالى والإقرار بما جاء من عند الله تعالى وهو دين الله تعالى الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياؤه لا يقبل غيره ولا يجزى إلا به». وروى علي بن إبراهيم عن أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه أنه قال في خطبة له لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي، الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل ثم قال: إن المؤمن أخذ دينه عن ربه ولم يأخذه عن رأيه إن المؤمن من يعرف إيمانه في عمله وإن الكافر يعرف كفره بإنكاره أيها الناس دينكم دينكم فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره إن السيئة فيه تغفر وإن الحسنة في غيره لا تقبل، وقرأ أبيّ إن الدين عند الله للإسلام والكسائي أن الدين بفتح الهمزة على أنه بدل الشيء من الشيء إن فسر الإسلام بالإيمان وأريد به الإقرار بوحدانية الله تعالى والتصديق بها الذي هو الجزء الأعظم وكذا إن فسر بالتصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة لأن ذلك عين الشهادة بما ذكر باعتبار ما يلزمها فهي عينه مآلا، وأما إذا فسر بالشريعة فالبدل بدل اشتمال لأن الشريعة شاملة للإيمان والإقرار بالوحدانية، وفسرها بعضهم بعلم الأحكام وادعى أولوية هذا الشق نظرًا لسياق الكلام مستدلًا بأنه لم يقيد علم الأصول بالعندية لأنها أمور بحسب نفس الأمر لا تدور على الاعتبار ولهذا تتحد فيها الأديان الحقة كلها، وقيد الدين الإسلام بالعندية لأن الشرائع دائرة على اعتبار الشارع ولهذا تغير وتبدل بحسب المصالح والأوقات، ولا يخفى ما فيه، أو على أن {شَهِدَ} [آل عمران 18] واقع عليه على تقدير قراءة إنه بالكسر كما أشير إليه، و{عِندَ} على كل تقدير ظرف العامل فيه الثبوت الذي يشير إليه الجملة، وقيل: متعلق بكون خاص ينساق إليه الذهن يقدر معرفة وقع صفة للدين أي إن الدين المرضي عند الله الإسلام وقيل: متعلق حذوف وقع حالًا في الدين، وقيل: متعلق به، وقيل: متعلق حذوف وقع خبرًا عن مبتدأ محذوف، والجملة معترضة أي هذا الحكم ثابت عند الله، وأرى الكل ليس بشيء أما الأول: فلأن خلاف القاعدة المعروفة في الظروف إذا وقعت بعد النكرات، وأما الثاني: فلأن المشهور أن {ءانٍ} لا تعمل في الحال، وأما الثالث: فلأنه لا وجه للتعلق بلفظ {الدين} إلا أن يكتفى بأنه في الأصل عنى الجزاء، وأما.
الرابع: فلأن التكلف فيه المستغنى عنه أظهر من أن يخفى، هذا وقد اختلف في إطلاق الإسلام على غير ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، والأكثرون على الإطلاق وأظن أنه بعد تحرير النزاع لا ينبغي أن يقع اختلاف.
{وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب} قيل: المراد بهم اليهود واختلفوا فيما عهد إليهم موسى عليه الصلاة والسلام، أخرج ابن جرير عن الربيع قال: «إن موسى عليه الصلاة والسلام لما حضره الموت دعا سبعين حبرًا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة وجعلهم أمناء عليها واستخلف يوشع بن نون فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم وهم الذين أوتوا العلم من أبناء السبعين حتى أهراقوا بينهم الدماء ووقع الشر طلبًا لسلطان الدنيا وملكها وخزائنها وزخرفها فسلط الله تعالى عليهم جبابرتهم»، وقيل: النصارى واختلفوا في التوحيد، وقيل: المراد بالموصول اليهود والنصارى، وبالكتاب الجنس واختلفوا في التوحيد، وقيل: في نبوته صلى الله عليه وسلم، وقيل: في الإيمان بالأنبياء، والظاهر أن المراد من الموصول ما يعم الفريقين، والذي اختلفوا فيه الإسلام كما يشعر به السياق والتعبير عنهم بهذا العنوان زيادة تقبيح لهم فإن الاختلاف بعد إتيان الكتاب أقبح.
وقوله تعالى: {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم} زيادة أخرى فإن الاختلاف بعد مجيء العلم أزيد في القباحة والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أو أعم الأوقات، والمراد من مجيء العلم التمكن منه لسطوع براهينه، أو المراد منه حصول العلم بحقيقة الأمر لهم بالفعل ولم يقل علموا مع أنه أخصر إشارة إلى أنه علم بسبب الوحي، وقوله سبحانه: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} زيادة تشنيع، والاسم المنصوب مفعول له لما دل عليه {مَا} و{إِلا} من ثبوت الاختلاف بعد مجيء العلم كما تقول ما ضربت إلا ابني تأديبًا، فلا دلالة للكلام على حصر الباعث، وادعاه بعضهم أي إن الباعث لهم على الاختلاف هو البغي والحسد لا الشبهة وخفاء الأمر، ولعل انفهام ذلك من المقام أو من الكلام بناءًا على جواز تعدد الاستثناء المفرغ أي ما اختلفوا في وقت لغرض إلا بعد العلم لغرض البغي كما تقول: ما ضرب إلا زيد عمرًا أي ما ضرب أحدًا إلا زيد عمرًا.
{وَمَن يَكْفُرْ بئايات الله} قيل: المراد بها حجهه، وقيل: التوراة، وقيل: هي والإنجيل، وقيل: القرآن، وقيل: آياته الناطقة بأن الدين عند الله الإسلام، والظاهر العموم أي أية آية كانت، والمراد بمن أيضًا أعم من المختلفين المذكورين وغيرهم ولك أن تخصه بهم {فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} قائم مقام جواب الشرط علة له أي ومن يكفر يعاقبه الله تعالى ويجازه عن قريب فإنه سريع الحساب أي يأتي حسابه عن قريب أو يتم ذلك بسرعة، وقيل: إن سرعة الحساب تقتضي إحاطة العلم والقدرة فتفيد الجملة الوعيد، وباعتباره ينتظم الشرط والجزاء من غير حاجة إلى تقدير، ولعله أولى وأدق نظرًا. وفي إظهار الاسم الجليل تربية للمهابة وإدخال الروعة، وفي ترتيب العقاب على مطلق الكفر إثر بيان حال أولئك المذكورين إيذان بشدّة عقابهم.

.تفسير الآية رقم (20):

{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
{فَإنْ حَاجُّوكَ} أي جادلوك في الدين بعد أن أقمت الحجج، والضمير-للذين أوتوا الكتاب- من اليهود والنصاري-قاله الحسن: وقال أبو مسلم: لجميع الناس، وقيل: وفد نصارى نجران؛ وإلى هذا يشير كلام محمد بن جعفر بن الزبير {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجهيَ للَّه} أي أخلصت وخضعت بقلبي وقالبي لله لا أشرك به غيره، وفيه إشارة إلى أن الجدال معهم ليس في موقعه لأنه إنما يكون في أمر خفي والذي جادلوا به أمر مكشوف، وحكم حاله معروف وهو الدين القويم فلا تكون المحاجة والمجادلة إلا مكابرة، وحينئذ يكون هذا القول إعراضًا عن مجادلتهم، وقيل: إنه محاجة وبيانه أن القوم كانوا مقرين بوجود الصانع وكونه مستحقًا للعبادة فكأنه قال: هذا القول متفق عليه بين الكل فأنا مستمسك بهذا القدر المتفق عليه، وداعي الخلق إليه، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك فاليهود يدعون التشبيه والجسمية، والنصارى يدعون إلهية عيسى عليه السلام والمشركون يددعون وجوب عبادة الأوثان فهؤلاء هم المدعون فعليهم الإثبات، ونظير ذلك {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا} [آل عمران: 64]، وعن أبي مسلم أن الآية في هذا الموضع كقول إبراهيم عليه السلام: {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض} [الأنعام: 79] فكأنه قيل: فإن نازعوك يا محمد في هذه التفاصيل فقل: أنا متمسك بطريق إبراهيم عليه السلام وأنتم معترفون بأنه كان محقًا في قوله صادقًا في دينه فيكون من باب التمسك بالإلزامات وداخلًا تحت قوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] ولعل القول بالإعراض أولى لما فيه من الإشارة إلى سوء حالهم وحط مقدارهم، وعبر عن الجملة-بالوجه- لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والمشاعر ومجمع معظم ما يقع به العبادة وبه يحصل التوجه إلى كل شيء، وفتح الياء نافع وابن عامر وحفص وسكنها الباقون.
{وَمَنْ اتَّبَعَن} عطف على الضمير المتصل في {أسلمت} وحسن للفصل، أو مفعول معه وأورد عليهما أنهما يقتضيان اشتراكهم معه صلى الله عليه وسلم في إسلام وجهه وليس المعنى: أسلمت وجهي وهم أسلموا وجوههم إذ لا يصح-أكلت رغيفًا وزيدًا ووزيدًا، وقد أكل كل منهما رغيفًا، فالواجب أن يكون-من- مبتدأ والخبر محذوف أي: ومن اتبعن كذلك، أو يكون معطوفًا على الجلالة وإسلامه صلى الله عليه وسلم لمن اتبعه بالحفظ والنصيحة، وأجيب بأن فهم المعنى وعدم الإلباس يسوغ كلا الأمرين ويستغني بذلك عن مئونة الحذف وتكلف خلاف الظاهر جدًا، وأثبت الياء في-اتبعني- على الأصل أبو عمرو ونافع، وحذفها الباقون-وحذفها أحسن- لموافقة خط المصحف، وقد جاء الحذف في مثل ذلك كثيرًا كقول الأعشى:
فهل يمنعني ارتيادي البلا ** د من حذر الموت أن يأتين

{وَقُل لِّلَّذيِنَ أُوتُواْ الْكتَبَ والأُمِّيِّنَ} عطف على الجملة الشرطية، والمعنى فإن حاجك أهل الكتاب فقابلهم بذلك فإن أجدى فعمم الدعوة وقل للأسود والأحمر {ءَأسْلَمْتُمْ} متبعين لي كما فعل المؤمنون فإنه قد جاءكم من الآيات ما يوجبه ويقتضيه أم أنتم على كفركم بآيات الله تعالى وإصراركم على العناد- وهذا كما تقول إذا لخصت لسائل مسألة ولم تدع من طرق البيان مسلكًا إلا سلكته-فهل فهمتها؟ على طرز {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] إثر تفصيل الصوارف عن تعاطي ما حرم تعاطيه، وفي ذلك تعيير لهم بالمعاندة وقلة الإنصاف وتوبيخ بالبلادة وجمود القريحة، والكثيرون على أن الاستفهام للتقرير وفي ضمنه الأمر ووضع الموصول موضع الضمير لرعاية التقابل بين المتعاطفين، والمراد من الأميين الذين لا يكتبون من مشركي العرب قاله ابن عباس وغيره.
{فإنْ أَسْلَمُوا} أي اتصفوا بالإسلام والدين الحق {فَقَد اهْتَدَواْ} على تضمين معنى الخروج أي اهتدوا خارجين من الضلال كذا قيل، وبعض يفسر الاهتداء باللازم وهو النفع أي فقد نفعوا أنفسهم قالوا: وسبب إخراجه عن ظاهره أن الإسلام عين الاهتداء فإن فسر على الأصل اتحد الشرط والجزاء، وفيه منع ظاهر. {وإنْ تَوَلَّوْاْ} أي أعرضوا عن الإسلام ولم يقبلوا {فإنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَغُ} قائم مقام الجواب أي لا يضرك شيئًا إذ ما عليك إلا البلاغ وقد أديته على أكمل وجه وأبلغه، وهذا قبل الأمر بالقتال فهو منسوخ بآية السيف {واللَّهُ بَصيرٌ بالْعبَاد} تذييل فيه وقعد على الإسلام ووعيد على التولي عنه.

.تفسير الآية رقم (21):

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)}
{إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بئايات الله} أية آية كانت، ويدخل فيهم الكافرون بالآيات الناطقة بحقية الإسلام دخولًا أوليًا {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقّ} هم أهل الكتاب الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم إذ لا معنى لإنذار الماضين قال القطب: وإسناد القتل إليهم ولم يصدر منهم قتل لوجهين: أحدهما: أن هذه الطريقة لما كانت طريقة أسلافهم صحت إضافتها إليهم إذ صنع الأب قد يضاف إلى الابن لاسيما إذا كان راضيًا به، الثاني: أن المراد من شأنهم القتل إن لم يوجد مانع، والتقييد بغير حق لما تقدم وتركت أل هنا دون ما سبق لتفاوت مخرج الجملتين وقد مر ما ينفعك في هذه الآية فتذكر. وقرأ الحسن {يقتلون النبيين}.
{وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس} أي بالعدل، ولعل تكرير الفعل للإشعار بما بين القتلين من التفاوت أو باختلافهما في الوقت، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد عذابًا يوم القيامة؟ قال: «رجل قتل نبيًا أو رجلًا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ الآية ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًا أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل وسبعون رجلًا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعًا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله تعالى» وقرأ حمزة ويقاتلون الذين وقرأ عبد الله وقاتلوا وقرأ أبيّ ويقتلون النبيين والذين يأمرون {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} خبر {ءانٍ} ودخلت الفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط ولا يمنع الناسخ الذي لم يغير معنى الابتداء من الدخول ومتى غير كليت، ولعل امتنع ذلك إجماعًا، وسيبويه والأخفش يمنعانه عند النسخ مطلقًا فالخبر عندهما قوله تعالى: